بعد زواج دام ست سنوات، وأسفر عن طفلتين، قررت سيدة مصرية طلب الطلاق. ليه؟ لأنو زوجها مثقف زيادة عن اللزوم. وأعلن هنا عن تعاطفي التام معاها، فـ الزول دا حريص على اقتناء مختلف أنواع الكتب وقراءتها. بس “مسّخها” حبتين، فهو يعود من عمله ويقفل باب الغرفة عليه، ويظل يقرأ لحدي ما يداهمو النوم، وخلال العُطل الأسبوعية يقرأ كتابين أو تلاتة، وشيئاً فشيئاً بقى الزول ما بقبل أي حديث يُوجَّه ليهو وهو بيقرأ:
يا جوزي يا حبيب، الدش عطلان… إلهي يوقع ويدشدش راسك..
تجيه صغيرته: بابا ممكن تروح ويانا الحديقة؟
روحي مع أمك في داهية تودي ما تجيب.
وأمام القاضي أكد البعل الفحل إنو حيظل يدي الأولوية للكتب على زوجتو وعيالو، فكان الحكم بالطلاق البائن.
في فترة ما من فترات مسيرتي الزوجية الظافرة (طالما هي مستمرة فهي ظافرة)، كانت زوجتي حتطالب بالخلع لو كانت بتعرف بوجودو، لأني كنت زي سبع البرمبة داك: في الصباح أقلب نحو خمس صحف قبل الخروج إلى العمل، وبعد الرجعة من الشغل أتناول الغداء وأحبس نفسي داخل الغرفة وأقرأ في كتاب أو أكتر (عادةً ما بنوم بعد الظهر، وتذكَّر إني سوداني تُؤلَّف حولي نُكت الكسل الوراثي)، وفي المساء أتابع نشرة أخبار رئيسية في التلفزيون، بعدين أستلقي على ظهري في السرير وأواصل القراءة، وبعدين: “تصبحي على خير”.
من الناحية العملية، ما كنت بتكلم مع زوجتي في أمور عادية إلا لو بادرت هي بـ”فتح” موضوع ما، وحتى لما أبادلها الحديث حول الموضوع، كنت بتعمد “قفله” بأسرع ما يمكن عشان أواصل القراءة، والشي البخجلني أكتر هو إني خفّضت ساعات القراءة بنسبة تبلغ نحو 15% بعد مولد طفلنا الأول، ونسبة 25% بعد مولد الطفل التاني، وهلمجرا. وبعبارة تانية، ما قللت ساعات القراءة وخصصت جزءًا كبيرًا من وقتي للعائلة إلا لإحساسي إنو لعيالي عليّ حق، يعني ما عملت دا مراعاة لخاطر ومشاعر زوجتي، بل “عيالي”. وخد في الاعتبار إننا كنا عايشين خارج وطننا، وكان مفروض أكون الصديق والأنيس الأول لزوجتي.
ما سمعت شكوى من زوجتي حول كل دا إلا بعد ما استغنى أصغر عيالي عني كشريك في اللعب، ورجعت للقراءة بنهم، فبقت أم المعارك تخاطبني بتهكم بعبارات زي:
“اتفضل، البيت بيتك”.. كل ما دخلت البيت.
أو: “ليه ما تستأجر البيت المجاور لنفسك عشان تتفرغ للقراءة؟”
ولذلك، وقفت عن القراءة الجادة ستة شهور متصلة، مكتفيًا بقراءة الصحف والمجلات على عجل. بعدين توصلنا لاتفاق إنو من حقي أعيش في عزلة وهدوء لثلاث ساعات عقب عودتي من العمل، أقرأ/ أنوم/ أغني؟ أنا حر. لكن القراءة في الأمسيات ممنوعة (صارت أكتر ديمقراطية وتسمح لي بمتابعة نشرات الأخبار وبعض البرامج الوثائقية في التلفزيون مساءً، لكن يا ويلي وظلام ليلي لو قبضتني وأنا بتفرج على القنوات البتعرض اللحم الأبيض المتوسطي، ولذلك بقيت نباتي في مجال التلفزيون).
والشاهد:
كتار مننا عايشين وهم مقصرين من حيث لا يدرون مع الوالدين والإخوة أو الزوجة والعيال بحجة المشغوليات، فتلقاهم طالعين ونازلين، وما بيكاد الواحد يتبادل مع أهل البيت أكتر من بضع كلمات روتينية، وهناك الصنف الـ”هوبليس” (hopeless) البدي الونسة مع الآخرين أولوية على الأُنس مع أفراد عائلتو، متناسين إنو الأقربين أولى بالمعروف، والمعروف قد يكون كلمات طيبات.
اكتشاف المزيد من شبكة الخبر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.