عامر محمد أحمد
غاب الأستاذ محمد عوض عبوش عن دنيانا بعيدًا عن وطنه الذي أحب. رحل المفكر والإنسان والمتأمل في الكون بصوفية تخصه وحده، يعيشها في كتاباته ونقاشاته حول المعرفة والكون والحياة الدنيا والآخرة، في تناغم من يعشق المعرفة وقوانينها، والمكتمل في حقيقة الإنسانية، والمُهمل والمُهمَّش البعيد. وسباق الأضداد في الماراثون الطويل الذي يبدأ بالأزرق والأحمر وينتهي باليسار واليمين…
يهاتفك أستاذ عبوش كلما استشكل عليه أمر من أمور الساحة الثقافية، إذ إنه لا يتابعها، وخاصة بعد مرضه، وسؤاله دائمًا ما يحمل في ذاته العلم والأدب والحزن والفرح، في تتابع الأسئلة أو تباعدها.
وفي الأعياد يفتقدك افتقاد الأب، في حنوٍّ ولطف روح. هو وسعد الدين إبراهيم وأستاذنا عيسى الحلو، لي معهم في الأضحية بحر من المودة والضحك. قال لي يومًا سعد الدين: “تتذكرنا مع عيد اللحم والشربوت؟” ثم أطلقها ضحكة تسع الكون كله.
غياب عبوش وسعد والحلو وأحمد بقادي وعثمان أحمد حسن ومحمد خير عبد الله والطيب ياسين، هو غياب للمعرفة، وإطفاء لسراج من نور الألفة والمودة والمحبة في ليل مظلم طويل، كأنه لسان من نار يمتد في مساحة مليون ميل مربع.
كانوا يتسابقون للسؤال والمعايدة، ويهمسون بحروف مضيئة تسع الكون كله.
لأستاذنا المفكر الراحل مدرسة فكرية تنتج في كل لحظة سؤالًا وإجابة ومعرفة، وتستمد من حضارة إنسان السودان القديم والحديث كيفية النهوض والتماسك وبناء الدولة. وما بين التحديث والحداثة نمط: ترتيب متكرر لعناصر معينة، عناصر ترتكز على الهوية الجامعة، وجغرافية الثقافة الراكزة، وثنائية التواصل الاجتماعي والثقافي بين أقوام اندمجوا وتصاهروا وخلقوا كيانًا حضاريًّا. ولذلك من التدليس والغش ألا يكون إنسان الفاشر وسنار ونيالا والضعين ومدني وشندي ودنقلا هو الدور الأول والأخير في استقلال ١٩٥٦م من الاستعمار البريطاني البغيض والخبيث.
ترك لنا الراحل عبوش كتابي: “السودان الحديث: البحث عن طريق”، وكتاب “بين سنار والخرطوم”، ومخطوطات عديدة، أتمنى أن تجد طريقها للنشر، وأفكارًا ليتنا نقرأها بتمهل وبغير نوايا مسبقة مستعجلة.
لروحه السلام والمغفرة، وجنّة عرضها السماوات والأرض. آمين.
اكتشاف المزيد من شبكة الخبر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.