عامر محمد أحمد يكتب : التنطّع والتمشدق..

يبدو أن الدعم السريع ومن يتحالف معه يعيشون في مرحلة “سلطة الواقعية السحرية”، حيث تختلط الخرافة بالواقع، ويصبح السرد السياسي ضربًا من الهذيان المنمق.

مشاهدتي مساء أمس الأول لحلقة على قناة “الجزيرة مباشر”، مع المذيعة حياة، ضمت حسب النبي محمود – الذي قدّم نفسه كقيادي في “تحالف تأسيس” ورئيسًا لحركة تحرير السودان – إلى جانب اللواء عبد الهادي عبد الباسط، الخبير العسكري والأمني.
في هذه الحلقة، بدا حسب النبي تجسيدًا حيًا لـ”الراوي العليم” في روايات الواقعية السحرية، ولكنه راوي بلا زمن ولا منطق. ففي لحظة عبثية، حدّد بداية الحرب الأهلية السودانية بعد الاستقلال بـ”أربعة أشهر”، أي إبريل 1956، متجاهلاً الحقيقة التاريخية بأن تمرد بور اندلع في أغسطس 1955، أي قبل الاستقلال نفسه.

حديثه عن ثورة ديسمبر يمكن أن يُصنّف ضمن “الكذب الداشر”، وهي حالة سردية يتوه فيها السارد بين الفكرة والحيلة وثعلبة الحكي – ذلك الثعلب المكار الذي يروغ من الحقيقة.

استمر حسب النبي في التنطّع – وهو التكلّف والمبالغة في القول والفعل حدّ الابتذال – حين تحدث عن لقائه بحميدتي، في وقت كان فيه الخبير الأمني عبد الباسط يؤكد مقتل الرجل! فما كان من حسب النبي إلا أن قال إن اللقاء تم “عبر التلفون”، مع رشّة من “بهارات التأسيس”، والبهار – كما نعلم – ما يُضاف إلى الطعام لتطييبه، فكيف إذا كانت البهارات توابل سياسية تسكِّن العقل وتُخدِّر الضمير؟

بلغ التنطع مداه عندما حيّا “الأشاوس” بمناسبة “الانتصارات الجديدة” – تلك التي لم يرها أحد، سوى من يعيشون داخل الفقاعة الخطابية التي تُنكر الواقع وتُزيِّنه بألوان الخداع اللفظي.

المذيعة حاولت مقاطعته بملاحظة واقعية، فما كان منه إلا أن لجأ إلى الروغان – الميل بخفة وسرعة، غالبًا بقصد المراوغة – ثم قفز فجأة نحو مشروع “دولة الجلابة الجدد”، بلغة علمانية مُزركشة بالألوان السياسية، لا يجمع بينها سوى التمشدق والتنطع.

التمشدق، هو ذاك الكلام المتكلف، المصنوع، الذي يُراد به التظاهر بالعلم أو الفصاحة، وهو في جوهره خاوٍ من العمق أو الصدق.

ملحوظة  :

بالأمس، قال حسب النبي محمود: “ندعو السودانيين إلى ضرورة تكثيف الجهود الوطنية وعدم الاستماع إلى دعاة الحرب.”

اليوم، يعود ليقول: “التحية للأشاوس على الانتصارات في كردفان!”

 

 


اكتشاف المزيد من شبكة الخبر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *