عثمان ميرغني يكتب : والي الخرطوم: يغادر أم “يقعد بس”؟

حديث المدينة – الخميس 29 مايو 2025
لفتت انتباهي الضجة التي أثيرت على وسائل التواصل الاجتماعي حول السيد أحمد عثمان حمزة، والي الخرطوم. البعض يرى أنه فشل في مواجهة الطوارئ التي تعيشها الولاية، مثل انقطاع الكهرباء والمياه وتردي البيئة.

ثم جاءت الكوليرا لتدق المسمار الأخير في نعش ولايته. وفي المقابل، هناك من يعتبره بطلًا منقذًا عمل في أحلك الظروف، وصمد أمام أقسى الاختبارات في وقت كانت فيه ولاية الخرطوم مجرد بقعة صغيرة في محلية كرري، بينما كانت بقية الأراضي تحت سيطرة التمرد.
ورغم أن هذا السجال حول أهلية استمرار الوالي يعد في حد ذاته أمرًا إيجابيًا، حيث يصبح الرأي العام – الذي تمثله الصحافة – بمثابة برلمان يرفع صوت المواطن ويحدد الخيارات، إلا أن الوجه الآخر لهذه الممارسة الديمقراطية يتطلب إقامة الميزان بالعدل، حتى لا تظلم التقديرات العفوية الرجل وتحرمه من رصيد يستحقه.
من هنا، تنشأ الحاجة إلى معايير موضوعية دقيقة لاختبار أهلية هذا الوالي، أو غيره، للاستمرار في المناصب العامة. والسؤال الموضوعي، دون الحاجة إلى “الانفعالات”، هو: هل يصلح السيد أحمد عثمان حمزة للاستمرار واليًا لولاية الخرطوم؟
الإجابة تبدأ من وضع معايير مطلوبة، ليس فقط لمنصب الوالي، بل للمرحلة المستقبلية التي تنتظر الولاية: مرحلة ما بعد الحرب. هذه المرحلة تتطلب عقلية ذات بعد استراتيجي، غير مرتبطة بالإنجازات الإسعافية. تحتاج إلى “مايسترو” قادر على إدارة عمل خلاق ضخم، متعدد الأطراف والتوجهات، يشارك في صنعه أكبر عدد من العقول، وينفذه أوسع قوة بشرية دافعة.
عنوان المرحلة المقبلة في الخرطوم هو: بناء عاصمة حديثة، وليس ترميم مدن متخلفة كانت تنتحل صفة “العاصمة”، رغم افتقارها لأدنى المعايير التي يجب أن تتمتع بها أي عاصمة، حتى في أفقر الدول. هذا لا يعني أن الوالي الحالي غير قادر على تلبية هذه المتطلبات، بل إذا أراد الاستمرار في منصبه، فعليه أن يدرك أن ذلك يتطلب ترقية “نسخة جديدة” من نفسه تتلاءم مع متطلبات المرحلة.
أما إذا اعتقد أن التمسك بالمنهج القديم يبرهن على قوة شخصيته ومكانته، وأن التنازل عنه يعني الخضوع لشروط تقلل من هيبته، فإن ذلك يجعل من الضروري أن يفسح المجال لغيره، ممن هو أكثر قدرة على تلبية متطلبات المرحلة.
في مرحلة ما بعد الحرب الحالية، يكمن المحك في قدرة الوالي على إدارة أكبر عدد من العقول والسواعد، من خلال تفويض سلطاته رأسيًا وأفقيًا على أوسع نطاق، ورفع وتيرة العمل إلى أقصى درجة لتحقيق الإنجاز في أقل وقت ممكن. وقبل كل ذلك، يجب ترفيع مستوى الإبداع في العمل إلى درجة تجعل السؤال التقليدي “من أين نحصل على المال لتمويل المشروعات؟” سؤالًا غير ذي جدوى.
يجب أن يدرك الوالي في المرحلة المقبلة أن هناك فاصلًا واضحًا بين العمل “الإسعافي” و”التنموي”. الإسعافي مؤقت لمواجهة أوضاع استثنائية، ولا ينبغي أن يطول أمده. أما التنموي، وهو الأغلب، فهو أعمال مبنية على خطة استراتيجية بعيدة المدى، قد لا تظهر نتائجها كاملة في مرحلة واحدة، وقد تمتد ثمارها لتتدلى في عهد والٍ لاحق.
عقيدة الخدمة المدنية في السودان تميل إلى الإنجاز السريع على حساب الاستدامة. فالموظف الحكومي غالبًا ما يسعى لإرضاء رؤسائه بإنجازات، ولو كانت صورية أو وهمية، قابلة للتلاشي في أقصر مدة، فقط لتلبية متطلبات حفلات الافتتاح والتدشين، دون الاكتراث بما يحدث بعد ذلك.
لنأخذ مثالًا سبق أن تطرقت إليه: العاصمة بها مناطق صناعية موزعة في مدنها الثلاث (الخرطوم، بحري، أم درمان)، تفتقر لأدنى متطلبات المدن الصناعية العصرية، وتتسبب بتخلفها في تكريس بيئة سيئة، خاصة في موسم الأمطار، مما يقلل من معايير الجودة. فهل يتم ترميم هذه المدن بعد الحرب، وتعود المصانع والورش إلى نفس الأماكن بنفس التخلف؟ أم يتم إنشاء مدينة صناعية واحدة عصرية تتسق مع متطلبات العصر؟
سنواصل..


اكتشاف المزيد من شبكة الخبر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *