«الكوليرا» الوباء يطرق أبواب العاصمة والسكان يصرخون: “الناس بتموت”

الخرطوم – شبكة_الخبر – في قلب أحد أحياء جبل أولياء، يقف الطبيب الشاب محمد عبد الرحمن وسط ازدحام من المرضى في مركز علاجي افتُتح حديثًا. على الأرض تجلس سيدة تمسك بيد طفلها الذي يعاني من إسهال حاد وجفاف شديد. تحاول تهدئته بينما يبحث الأطباء عن متبرع بمحلول وريد في بيئة تفتقر لأبسط المقومات.

يقول الطبيب بصوت منخفض: “منذ أسبوعين ونحن نعيش كابوسًا.. عدد الحالات لا يتوقف، واليوم وحده سجلنا أكثر من 70 إصابة في هذا المركز فقط”.

500 إصابة في يوم واحد

في مشهد يُشبه ما ترويه الحكايات عن الأوبئة، أعلنت شبكة أطباء السودان الخميس الماضي عن تسجيل أكثر من 500 حالة كوليرا في يوم واحد بالعاصمة الخرطوم، إلى جانب 9 حالات وفاة جديدة. وبذلك ارتفع إجمالي الإصابات خلال الأسابيع الأخيرة إلى أكثر من ألفي حالة مؤكدة، توزعت معظمها في منطقتي كرري وجبل أولياء.

الكوليرا، العدوى البكتيرية التي تنتقل عبر المياه الملوثة، لا ترحم أحدًا. أعراضها – من الإسهال الشديد إلى الجفاف الحاد – تتطور بسرعة، وإذا لم يُعالج المصاب خلال ساعات قد تنتهي حياته.

البنية التحتية تنهار

تفشي المرض لم يكن مفاجئًا للبعض. تقارير محلية ربطت بين انتشار الكوليرا والانهيار المتسارع للبنية التحتية في العاصمة، خاصة بعد قصف قوات الدعم السريع ثلاث محطات كهرباء رئيسية بأم درمان، ما تسبب في توقف محطات المياه، ودفع السكان إلى الاعتماد على مصادر غير آمنة مثل الآبار السطحية ومياه النيل غير المعالجة.

“نحن نشرب من النيل ساي.. مافي كهرباء، ومركز المياه واقف، والناس بتموت قدامنا”. هكذا يصف أحد سكان الحارة 21 بكوبر واقعهم اليومي.

صرخة من جبل أولياء

في رسالة مؤثرة، أطلق أحد الأطباء العاملين في منطقة جبل أولياء مناشدة عاجلة لإنقاذ المواطنين: “الوضع خارج السيطرة. الإصابات في تزايد، ولا نملك أدويتنا ولا محاليلنا. نحتاج لكل يد تستطيع المساعدة.”

ردًا على تفاقم الوضع، أعلنت وزارة الصحة السودانية عن افتتاح أكثر من 8 مراكز لعلاج الكوليرا بالتعاون مع وكالات الأمم المتحدة، وبدء حملة تطعيم تستهدف المناطق المتأثرة في الخرطوم.

غضب في وسائل التواصل: “من المسؤول؟”

لكن الإجراءات الرسمية لم تطفئ نار الغضب المتصاعدة على منصات التواصل. كتب المغرد دهب: “قادر تتخيل 500 حالة كوليرا في يوم واحد؟ الخرطوم بقت بؤرة موت مفتوح، وين الحكومة؟ وين العالم؟”.

أما الناشط بوني، فطالب بتدخل دولي عاجل: “الناس بتموت في بيوتها.. دا وباء مش عادي، محتاجين دعم عالمي فورًا.”

مغردون آخرون وجّهوا سهام النقد إلى الحكومة، واعتبروا أن الأزمة الصحية ما هي إلا نتيجة طبيعية لانهيار الدولة. “المالية ما عايزة تدفع، مافي صيانة، الناس بقت تشتري موية وسخانة، وجاتهم الكوليرا”، كتب علي.

وذهبت المغردة أم محمد إلى أبعد من ذلك، معتبرة أن الخرطوم تدفع ثمن عقود من الحكم العسكري والتخبط السياسي: “دفعنا الثمن غالي، والوباء كشف المستور.”

الأمل في اللقاح… هل يُحدث فرقًا؟

في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، أعلن وزير الصحة هيثم محمد إبراهيم عن انطلاق حملة تطعيم ضد الكوليرا، مع توقعات بانخفاض الحالات خلال الأسابيع المقبلة. لكنه لم يخفِ صعوبة التحديات: “الوضع معقد جدًا.. نحتاج لتكاتف الجميع، حكومة ومنظمات ومواطنين.”

بين نداءات الاستغاثة ونبرة الغضب، يبقى السؤال: هل ينتصر السودان مجددًا على الكوليرا كما فعل في الماضي، أم يتحول الوباء إلى فصل جديد في مآسيه المتراكمة؟


اكتشاف المزيد من شبكة الخبر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *