الفاشر – شبكة- الخبر – في حي النصر بمدينة الفاشر، كان المساء عادياً في ظاهره. أطفال يلهون أمام المنازل، وأسر تستعد لتناول عشاءها على ضوء المصابيح المتذبذبة. لكن ما إن بدأت السماء تغيب خلف الغبار، حتى اختل كل شيء. سقطت القذيفة الأولى، ثم الثانية، وتوالى بعدها وابل من الرعب.
“سمعنا صوتاً كالرعد، لكنه لم يكن من السماء، بل من الأرض”، يروي مبارك موسى، أحد سكان حي أبوشوك الحلة، وهو يشير إلى منزل انهار سقفه جزئياً على من فيه. “كانت ليلة موت”، يضيف بصوت مبحوح.
حوالي الساعة التاسعة من مساء السبت، تحوّلت عدة أحياء في الفاشر إلى أهداف لقصف مدفعي كثيف، يُعتقد أن مصدره قوات الدعم السريع التي تحاصر المدينة منذ شهور. النصر، القبعة، الشرفة، والقطاع الغربي.. كلها أصابها القصف، وأكثر من 40 قذيفة تساقطت بلا إنذار.
في حي النصر، لقي ثلاثة أشخاص حتفهم في الحال. خمسة آخرون، بعضهم من الجيران الذين هرعوا لإنقاذ العالقين، أُصيبوا بجراح بليغة. أما في أبوشوك الحلة، فأصيب سبعة، بينهم أطفال لم تتجاوز أعمارهم عشرة أعوام، بينما كانت أمهاتهم يركضن بهم نحو أي مكان قد يحميهم.
“كانوا نائمين في فراشهم حين سقطت القذيفة على جدار المنزل”، تقول إحدى الأمهات، وقد أمسكت بيد طفلها المصاب وهي تنتظر في قسم الطوارئ بالمستشفى السعودي.
صباح الأحد، أكد مصدر صحي في المستشفى أن أكثر من عشر حالات إصابة وصلت خلال الساعات الأولى من اليوم، بعضها في حالة حرجة. الطاقم الطبي يعمل بأقصى طاقته، رغم النقص الحاد في الإمدادات والمعدات.
هذه الحادثة لم تكن الوحيدة في أيام الفاشر الأخيرة. نهار الجمعة، استهدفت قذيفة مسجد “حنفي” في حي الدرجة الأولى، أثناء صلاة الظهر، لتقتل ستة أشخاص وتصيب آخرين، في مشهد خلّف صدمة واسعة.
مدينة الفاشر، التي كانت يوماً ما مركزاً تجارياً وثقافياً لإقليم دارفور، باتت اليوم مسرحاً مفتوحاً للحرب والقصف والمعاناة. منذ أكثر من عام، تعيش تحت وطأة المعارك العنيفة بين الجيش السوداني والقوات المتحالفة معه من جهة، وقوات الدعم السريع من جهة أخرى، التي تسعى لإسقاط المدينة باعتبارها آخر معقل للجيش في دارفور، بعد سقوط نيالا، زالنجي، الجنينة، والضعين.
في هذا الركن من السودان المنسي، باتت الحياة معلقة على قذيفة، والمساء يحمل دوماً احتمال أن يكون الأخير.
اكتشاف المزيد من شبكة الخبر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.