الخرطوم – شبكة- الخبر – في أحد أحياء الخرطوم التي أنهكتها الحرب، وبين الجدران المتشققة والأروقة المهجورة، كان مستشفى ابن سينا يرقد كجسد بلا روح. لكن صباح هذا الأسبوع، استيقظ الحي على مشهد مغاير. شاحنات تنقل معدات، متطوعون يحملون أدوات النظافة، وأطباء يرتدون معاطف بيضاء لا للمعالجة، بل لإنعاش المكان ذاته.
فقد دشّنت الجمعية السودانية لرعاية وتوطين زراعة الكبد حملة غير مسبوقة لإعادة تأهيل المستشفى، شملت إزالة الأنقاض، تنظيف الأقسام، وتعقيم المرافق، في مشهد يعكس رمزية النهوض وسط الركام.
يقول الدكتور محمد الشريف، رئيس الجمعية، وهو يقف أمام المدخل الرئيسي وقد استعادت واجهته بعضاً من رونقها القديم:
“كنا نعلم أن المهمة صعبة، لكن الإصرار على الحياة أقوى. مستشفى ابن سينا ليس مجرد مبنى، إنه شريان حياة لكثير من المرضى الذين انقطعت عنهم السبل.”
في خضم هذه المبادرة، بدا واضحاً أن الجمعية لا تعمل في فراغ. فالدعم المعنوي من جهات رسمية كان حاضراً، إذ أكد د. الشريف أن “القيادة السياسية تتابع عن كثب هذه المبادرة، وتعتبر إعادة تأهيل المرافق الصحية أولوية قصوى في هذه المرحلة”.
بين الألم والأمل
الحرب تركت وراءها حكايات موجعة، وأخرى تبحث عن نهاية مغايرة. ولعل مشهد مستشفى يعاد تأهيله بأيدٍ وطنية، ومنظمة طبية تنذر نفسها للإنقاذ، يمثل واحدة من هذه النهايات الممكنة.
وزير الصحة بولاية الخرطوم، الدكتور فتح الرحمن محمد الأمين، لم يُخفِ تأثره بالمشهد، قائلاً:
“ما قامت به الجمعية يمثل لحظة فارقة في مسار إعادة البناء الصحي. إنها رسالة بأن المجتمع يمكن أن ينتصر على الدمار بالعمل والتكاتف.”
وأكد الوزير أن الشراكة بين الجمعية والوزارة ستتوسع، باعتبارها نموذجاً عملياً للشراكة بين الدولة والمجتمع المدني، تسهم في تحسين الخدمات الصحية وتجاوز آثار الحرب.
حين يتحول الطب إلى فعل مقاومة
ما جرى في مستشفى ابن سينا لا يمكن حصره في حملة نظافة أو إعادة تأهيل، بل هو فعل مقاومة في وجه الخراب. مقاومة تُمارس عبر الأمل، وعبر عودة الحياة إلى أماكن توقّف فيها النبض.
فالمبنى الذي كان شاهداً على لحظات حاسمة من حياة آلاف السودانيين، من عمليات معقّدة إلى ولادات وأمل بالشفاء، يعود اليوم ليواصل وظيفته الأساسية: أن يكون موطناً للشفاء وسط وطن يحاول أن يتعافى.
اكتشاف المزيد من شبكة الخبر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.