«محجوب علي» : شهادة صامتة على الصمود في معتقلات الدعم السريع

سنار – شبكة_الخبر – في وجه العطش والتعذيب وفي قلب الظلام، حيث يُحاصر الجوع والعطش الجسد، وتنهال أسئلة التحقيق بلا رحمة، ظل محجوب علي واقفًا… لا بالكلمات، بل بالصمت، لا بالصراخ، بل بالثبات.

كان محجوب، الموظف البسيط بإدارة التسهيلات في مطار الخرطوم الدولي، يحلم كغيره بوطن آمن وسلام دائم. لم يكن سياسيًا، ولا ناشطًا، فقط كان يحمل بطاقة عمله الرسمية من شركة مطارات السودان، وهي البطاقة التي تحولت في لحظة إلى “تهمة” ساقته إلى أحد المعتقلات التابعة لقوات الدعم السريع، منتصف مايو 2023.

في المعتقل، وجد نفسه وسط عشرات الوجوه التي أنهكها الأسر، من أطفال دون الثامنة عشرة، إلى رجال عجّز، إلى ضباط من القوات النظامية. الجميع محشورون في “جملون” ضيق، تنبعث منه روائح الرطوبة والإهمال، وتسكنه الحشرات والقهر.

لكن محجوب لم يكن مجرد رقم في هذا المعتقل. كان روحًا شامخة، كما يروي زميله في الأسر الأستاذ منصور الطيب بابكر، عضو اتحاد أصحاب العمل السوداني، الذي عاش إلى جانبه شهرين كاملين، قبل أن يُفرج عنه في يوليو بسبب تدهور صحته.

يقول منصور: “كان محجوب يرفض الحديث أثناء التحقيق، لا يستجيب لأي استدراج. كانوا يضغطون عليه، يعذبونه، يحرموه من الماء، لكنه كان يعرف من هو، ومن ينتمي إليه”.

في أحد الأيام، عرضت قوات الدعم السريع على عدد من الضباط والعسكريين المحتجزين التعاون معها، مقابل إطلاق سراحهم وتوظيفهم في تدريب أفرادها. كان العرض مغريًا في ظل ظروف الاعتقال القاسية. لكن، كما يقول منصور، “رفض الجميع، تمسكوا بشرفهم، ولم يخن أحد منهم قسمه، إلا شخصًا واحدًا فقط”.

البيئة داخل المعتقل كانت قاتلة: لتر ماء واحد فقط في اليوم، لكل شخص، في ظل طقس لاهب. لم تكن هناك مراحيض صالحة، ولا طعام كافٍ، وكان المعتقلون ينامون على الأرض، بلا أغطية ولا وسائد. “كان هناك لصوص ومعتوهون وسطنا، استخدمتهم قوات الدعم السريع في مهام السطو وجلب المسروقات”، يضيف منصور.

ورغم كل ذلك، ظل محجوب علي واقفًا مثل شجرة حراز في موسم الجفاف، لا تلين. لم يبع كلمته، ولم يساوم على نفسه.

في اليوم الذي أُفرج فيه عن منصور، رأى محجوب يُنقل مع عدد من العسكريين إلى معتقل آخر في سوبا. “قالوا إنه أسوأ من الذي كنا فيه. لم أره بعدها قط”.

مرت الشهور، وتناقلت وسائل التواصل الاجتماعي الخبر القاسي: استشهاد محجوب علي، بعد أن سقط جسده تحت وطأة العطش وسوء المعاملة والتعذيب، بينما بقيت روحه عالية… حرة.

اليوم، لا نعرف قبرًا نحجّ إليه، لكننا نعرف أن هناك صوتًا، وذكرى، وكرامة، ظلّت حيّة رغم العتمة.

محجوب علي لم يمت… لقد خلد في ذاكرة الصمود.


اكتشاف المزيد من شبكة الخبر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *