كسلا – شبكة_الخبر – من قلب كسلا، وعلى ضفاف الأمل، تُقرع طبول الحرب ضد مرضٍ يتسلل إلى الأجساد بلا ضجيج، لكنه يترك خلفه وجعاً يمتد في العيون والقلوب. 28 ألف إصابة بالسرطان كل عام في السودان، رقم لا يشي فقط بالخطر، بل يحمل صدى حكايات إنسانية موجعة، تبدأ بالتشخيص ولا تنتهي في طوابير العلاج.
في قاعة الريح الطريفي بمدينة كسلا، اجتمع أطباء وخبراء ومسؤولون، لا لمجرد تبادل الكلمات، بل لإطلاق صرخة جماعية مدوية: “السرطان يمكن الانتصار عليه، إذا عرفناه باكراً.” هكذا جاءت الورشة التنويرية لتعزيز خدمات التقصي والكشف المبكر، كخطوة أولى في طريق طويل اسمه “الاستراتيجية القومية لمكافحة السرطان 2023-2030”.
الدكتور علي آدم، المدير العام للصحة في كسلا، تحدث بصوت يحمل صدق القلق والأمل، داعياً إلى أن تكون هذه الورشة محطة انطلاق حقيقية نحو تغيير الواقع الصحي، لا سيما في ولايات الهامش، حيث المرض أكثر انتشاراً، والموارد أقل حضوراً.
لكن خلف الأرقام تقف قصصٌ من لحم ودم. أمهات أنهكهن التعب، وآباء حملوا أحزانهم في صمت، وأطفال لم يعرفوا بعد نكهة الطفولة، يصارعون ورماً لا يرحم. كل عام، تصدر وزارة الصحة الاتحادية ذات الرقم: 28 ألف إصابة. لكن من يَعدُ الوجع؟ ومن يرسم خريطة الألم الممتدة من الأطراف إلى المراكز، ومن القرى المنسية إلى العواصم المزدحمة بالصراخ المكتوم؟
الدكتور أحمد محمد عبد الله، من الرعاية الصحية الأساسية، لم يكتف بعرض الإحصائيات، بل نادى بما يشبه النداء الأخير: “الكشف المبكر ينقذ الأرواح. يمكنه أن يقلل الوفيات إلى النصف.” إنها ليست مجرد نسب، بل مفاتيح نجاة لمن يُكشف عنه المرض في وقتٍ مبكر، حين يكون الشفاء أقرب من الظن.
وفي حديثها الشفاف، لم تُخفِ الدكتورة ولاء محجوب، مديرة البرنامج القومي للسرطان، واقع التحدي: 13 مركزاً لعلاج السرطان فقط في بلد مترامي الأطراف، والاحتياجات تفوق الإمكانات. لكن، كما قالت، فإن التغيير يبدأ بخطوة، وهذه الورشة تنويرية قبل أن تكون تقنية، لأنها تُضيء الطريق أمام العاملين في الميدان وأمام الناس.
كسلا لم تكن فقط مكاناً للحدث، بل رمزاً لبداية جديدة. البداية التي يُرجى أن تصل إلى الفاشر ونيالا ودنقلا وعبري. أن تنتقل من قاعةٍ مغلقة إلى عيادةٍ في حي شعبي، إلى بيتٍ ينتظر خبراً مطمئناً.
في بلدٍ أنهكته الصراعات والنزوح والفقر، يظل السرطان عدواً صامتاً. لكنه ليس invincible. الوقاية والعلم والشراكات الفاعلة يمكن أن تصنع الفرق. وتبقى المعركة مفتوحة… بين المرض، والإنسان الذي لا يزال يقاوم.
اكتشاف المزيد من شبكة الخبر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.