حين تشتد المحنة : “تأتي يد العون من بعيد!”

بورتسودان – شبكة_الخبر – في بلد أنهكته الحرب، وتعثّرت فيه الأنفاس بين ردهات المستشفيات ومراكز العلاج، بزغ ضوء من جهة البحر، حاملاً معه أملاً جديداً لآلاف المرضى الذين يواجهون الموت وجهاً لوجه، في انتظار جلسة غسيل كلى قد لا تأتي في موعدها.

اليوم، من قلب بورتسودان، دُشنت مبادرة إنسانية نادرة، تمثلت في تسليم دفعة من أجهزة ومعدات غسيل الكلى، مقدمة من المملكة العربية السعودية عبر مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، وبالتعاون مع منظمة الصحة العالمية. وفي لحظة لا تُنسى، اجتمع المسؤولون والأطباء، ليس فقط لإعلان تسليم المعدات، بل للاحتفاء بالحياة وهي تسترد مكانها في جسد منهك.

الدعم السعودي لم يكن مجرد أرقام على ورق. ستون ماكينة للاستصفاء الدموي، وستون كرسياً طبياً، وست محطات لتنقية المياه، إضافة إلى 230 ألف جلسة غسيل كلى. هذا الرقم وحده كفيل بأن يُعيد الطمأنينة إلى قلوب الآلاف، ممن صار غسيل الكلى بالنسبة لهم شريان حياة يوشك أن ينقطع.

“هذا ليس مجرد دعم.. إنه إنقاذ للأرواح”، هكذا قال وكيل وزارة الصحة المفوض، د. عصمت مصطفى، وهو يشير إلى خطة التوزيع التي أُعدت بعناية لضمان وصول الأجهزة إلى المناطق الأشد احتياجاً. مضيفاً أن المبادرة ستسهم قريباً في افتتاح ستة مراكز جديدة لغسيل الكلى، تُخفف العبء عن المرضى في الولايات، وتمنحهم فرصة للعيش بكرامة.

ومن جانبه، أكد السفير السعودي، علي بن حسن جعفر، أن هذا الدعم ما هو إلا استمرار لالتزام المملكة الثابت تجاه الشعب السوداني، خاصة في لحظاته الأكثر إيلاماً. وكشف عن تحرك قافلة طبية تضم أطباء سودانيين لإجراء عشرات العمليات في ولاية كسلا، في تخصصات دقيقة مثل المسالك البولية والغدة الدرقية.

في هذه اللحظة، بدا وكأن الحرب قد توقفت، أو على الأقل تراجعت قليلاً، أمام مشهد إنساني عظيم: دول وشعوب تتكاتف لإنقاذ من تقطّعت بهم سبل العلاج في وطنهم الجريح.

د. نزار زلفو، مدير المركز القومي لأمراض وجراحة الكلى، عبّر عن امتنانه للدعم السعودي، مشيراً إلى أن هذه هي الدفعة الثانية التي يتلقاها السودان منذ اندلاع الحرب. وهو دعم، كما قال، ساعد في استقرار خدمات غسيل الكلى في ولايات كانت مهددة بفقدان الخدمة كلياً.

أما د. شبل صهبان، ممثل منظمة الصحة العالمية في السودان، فقد وصف المبادرة بأنها “نموذج يُحتذى” للتعاون الإقليمي والدولي، مذكّراً بدور المدير الإقليمي للمنظمة، د. حنان بلخي، في تسهيل هذا النوع من التدخلات النوعية في أصعب الأوقات.

لقد جاءت هذه المبادرة السعودية في وقت تتداعى فيه مؤسسات الدولة، وينهار فيه ما تبقى من البنية التحتية الصحية، لتقول: إن الكرامة الإنسانية لا تعرف الحدود، وإن التآزر في وقت الشدة هو ما يصنع الفارق بين الحياة والموت.


اكتشاف المزيد من شبكة الخبر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *