“جمهورية النهب”.. كيف تحوّل الدعم السريع إلى دولة داخل الدولة؟

خاص ـشبكة_الخبر ـ في قلب الصراع السوداني المستمر، تنشأ ظاهرة غير مسبوقة: قوة مسلحة ليست فقط طرفًا في الحرب، بل نظام اقتصادي وسياسي قائم بذاته، يستمد قوته من الاستيلاء المستمر على موارد الدولة والمواطنين.

هذه هي قصة “جمهورية النهب”، التي أوجدها ما يُعرف بقوات الدعم السريع، والتي باتت تشكل تحديًا حقيقيًا لسلطة الدولة ومؤسساتها.

عودة الجنجويد. 

كشف تقرير دولي جديد صادر عن “لجنة الأسلحة الصغيرة” في جنيف، تحت عنوان “جمهورية الكدمول”، أن قوات الدعم السريع في السودان تعتمد على نموذج اقتصادي موروث من ميليشيات الجنجويد، يقوم على النهب والتمويل الذاتي، في ظل تراجع مؤسسات الدولة وانهيار الاقتصاد الرسمي.

ووفقًا للتقرير، فإن المقاتلين المخضرمين في قوات الدعم السريع لا يزالون يتلقون رواتب نقدية، معظمها من الأموال المنهوبة من البنوك السودانية في العاصمة الخرطوم، إبان اندلاع الحرب في أبريل 2023. أما المجندون الجدد، فيُمنحون مبالغ نقدية صغيرة، مع وعود بحصص غذائية ومكافآت مستقبلية يتم تحصيلها من الغنائم.

وأشار التقرير إلى أن هذه المدفوعات تُقدَّم بشكل جماعي إلى القادة المحليين المسؤولين عن التجنيد، الذين يتولون توزيعها وفقًا لما يرونه مناسبًا، وهو ما يُعيد إلى الأذهان نفس أسلوب تمويل ميليشيات الجنجويد في دارفور خلال العقد الأول من الألفية.

بنية تمويل غير رسمية: الاقتصاد من الفوضى

تعتمد هذه البنية على نهب منهجي، يُنظر إليه داخل قوات الدعم السريع ليس كتصرف عشوائي، بل كجزء عضوي من منظومة الرواتب. وهو ما وصفه التقرير بأنه “نهب مؤسسي”، يربط استمرار القتال مباشرة بإمكانية تحصيل الغنائم. وأوضح التقرير أن هذه الآلية تمكّن القوات من الاستغناء عن أي دعم خارجي، مما يجعلها محصّنة نسبيًا ضد العقوبات الدولية.

 إعادة تدوير آلية القتال بالأجر الفوضوي

تستعيد هذه الآليات ممارسات سابقة عرفتها دارفور في سنوات الحرب الأولى، عندما كانت الحكومة السودانية تسلّح الجنجويد وتمنحهم حق النهب مقابل مشاركتهم في القتال. ويشير الباحث أليكس دي وال إلى أن “التعبئة بالنهب” كانت هي المحرك الرئيس لتلك الميليشيات، والتي تحولت لاحقًا إلى ركيزة في جهاز الدولة العميقة.

التقرير يضيف أن قوات الدعم السريع ورثت هذه الثقافة بالكامل، بل ووسّعتها، حيث أصبحت المكافأة لا تُمنح لقاء الوطنية أو الأداء، بل بحسب درجة الولاء للقادة المحليين، وقدرة الفرد على الاستيلاء على الموارد.

تمويل داخلي يحبط العقوبات

أحد أبرز ما ورد في تقرير لجنة الأسلحة الصغيرة هو التأكيد على أن “العقوبات الدولية لا تؤثر فعليًا على الدعم السريع، لأن تمويله قائم على الاستيلاء الداخلي”، مما يعقّد أي مسار دولي محتمل للضغط على هذه القوات.

كما يشير التقرير إلى أن الدعم السريع لا يعتمد على نظام مالي مركزي، بل على شبكات محلية من التحكم في الموارد، والتمويل القائم على السيطرة الجغرافية، ما يمنحه مرونة وقدرة على الاستمرار رغم تعقيدات الحرب.

حين يصبح النهب نظامًا سياسيًا وعسكريًا

إن ما يميّز تقرير “جمهورية الكدمول” هو توثيقه لكيفية تحوّل النهب من عرض جانبي للحرب إلى ركيزة استراتيجية تقوم عليها قوات الدعم السريع. هذا التحوّل لا يعكس فقط انهيار الدولة، بل يشي بتطوّر نمط جديد من “اقتصاد الحرب”، يُربط فيه الاستقرار الأمني بالقدرة على النهب، والانتماء العسكري بالربح الشخصي.

وفي ظل هذا النمط، فإن أي تسوية سياسية لا تُخاطب بنية التمويل هذه، ولا تُقدّم بدائل اقتصادية للمجندين، ستظل ناقصة، وربما عُرضة للانهيار عند أول اختبار ميداني.

 

 


اكتشاف المزيد من شبكة الخبر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *