خاص – شبكة_الخبر – في لحظة فارقة ومشحونة بالتوتر، وبينما كانت الاحتجاجات تعصف بشوارع السودان مطلع عام 2019، اتخذ الرئيس عمر البشير خطوة بدت في ظاهرها ضربًا من الخيال السياسي: اتصال سري بإسرائيل. المكالمة القصيرة التي جمعت البشير بمبعوث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والتي كُشف عنها لاحقًا في كتاب سلام ترامب: اتفاقيات أبراهام وإعادة تشكيل الشرق الأوسط للصحفي الإسرائيلي باراك رافيد، لم تكن مجرد محاولة للتطبيع، بل صرخة استغاثة أخيرة من نظام يترنّح على حافة السقوط.
بحسب رواية رافيد، جاء الاتصال بعد أسابيع من اندلاع الاضطرابات، حين أعلن البشير حالة الطوارئ في البلاد، وأقال الحكومة المدنية ونقل السلطة إلى الجيش وجهاز المخابرات الذي كان يدين له بالولاء. وفي تصرّف يائس وغير مسبوق، لجأ الديكتاتور السوداني إلى إسرائيل. لم تكن المكالمة سهلة؛ كان الاتصال ضعيفًا، وحاجز اللهجات بين العربية السودانية والفلسطينية أضاف طبقة جديدة من التعقيد، رغم أن الطرفين تحدثا بالعربية.
في أحد طرفي الخط كان عمر البشير، وفي الطرف الآخر مبعوث نتنياهو المعروف باسم “ماعوز”. كانت المكالمة قصيرة ومرتبكة: تبادل سريع للمجاملات، مقدمة مختصرة، ثم الجملة التي قلبت المشهد: “أريد علاقات مع إسرائيل. من اليوم، أطلب منك التواصل مع صلاح قوش.”
بهذه الكلمات، فتح البشير الباب أمام تحوّل دراماتيكي في العلاقات بين الخرطوم وتل أبيب، واضعًا رجل المخابرات القوي صلاح قوش في قلب ملف حساس طالما اعتُبر من المحرمات السياسية في السودان.
لم يكن غريبًا أن يسعى البشير إلى فك طوق العزلة الدولية الذي خنق نظامه، لكن المدهش أن يلجأ لمن كان يصفهم طيلة سنوات حكمه بـ”العدو”. لم تكن الخطوة ناتجة عن قناعة سياسية أو تحوّل فكري، بل أقرب إلى محاولة تنفس أخيرة في غرفة سياسية بلا نوافذ. والمفارقة أن هذا النداء جاء متأخرًا، فقد كانت لحظة السقوط أقرب من أي وعد قادم من تل أبيب.
تُظهر هذه الواقعة كيف أن الأنظمة الاستبدادية، حين تدخل في طور الانهيار، لا تتردد في كسر كل المحرمات، حتى وإن كان الثمن خيانة رمزية لمواقف ظلت تتغنّى بها لعقود. لقد سقط البشير بعد أسابيع قليلة من تلك المكالمة، لكن ما قيل في الخط السري بين القصر الرئاسي في الخرطوم ومكتب رئيس الوزراء في القدس، يبقى شاهدًا على عمق المأزق الذي وصل إليه نظامه.
●●●●●
المراجع :
1. باراك رافيد، سلام ترامب: اتفاقيات أبراهام وإعادة تشكيل الشرق الأوسط، دار نشر “ידיעות ספרים”، 2021.
2. تقارير إعلامية عن التسريبات الواردة في الكتاب، منها:
– صحيفة هآرتس الإسرائيلية
– موقع Axios الأميركي
3. بيانات أرشيفية عن إعلان حالة الطوارئ في السودان، فبراير 2019، وكالة السودان للأنباء (سونا)
4. شهادات وتحليلات حول دور صلاح قوش في سياسة البشير الخارجية والأمنية، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية
اكتشاف المزيد من شبكة الخبر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.