حديث المدينة الثلاثاء 13 مايو 2025
تتسابق الأحزاب السياسية لاستقطاب الشباب، لكن الحقيقة التي يجب أن تدركها أن هناك نوعين من الشباب:
شباب بيولوجي: يُحسبون شبابًا بسنوات عمرهم، لكنهم يعيشون في جلباب أجدادهم وآبائهم.
شباب عقلي: يفكرون بعقلية عصرهم، ويحلمون بطموحات المستقبل.
النوع الأول، الشباب البيولوجي، هم من ينتشرون الآن في الأحزاب السياسية، ينتحلون صفة “الشباب”، بينما عقولهم متجذرة في الماضي. يفكرون كما كان يفكر أجدادهم، وليس العيب في تفكير الأجداد، فقد كان مرتبطًا بواقعهم وظروف زمانهم ومكانهم. العيب يكمن في “تعليب” العقول وتقييدها بأطر زمنية بعيدة، وفي كسل الفكر السياسي الذي يتجنب مشقة مراجعة مناهجه وتطوير مداركه ووعيه.
مثال على ذلك:
شباب ثورة ديسمبر الشعبية، التي انتصرت في أبريل 2019، بدأوا في تكوين دولتهم الجديدة، فاختاروا “مجلس السيادة” كرأس للدولة، يتكون من 11 عضوًا، ثم ارتفع العدد إلى 14.
السؤال المنطقي: لماذا مجلس السيادة؟ ولماذا 14 عضوًا؟
لن تجد إجابة سوى أن هذا ما فعله أجدادهم في ديسمبر 1955، قبيل استقلال السودان بأسبوع. حينها، واجهوا مأزق إعلان الاستقلال، وبدلاً من اختيار رئيس واحد، أدت خلافاتهم إلى استنساخ كرسي الرئاسة ليتسع لأكبر عدد ممكن، فقرروا أن تكون الرئاسة “خماسية”: اثنان للحزب الحاكم، واثنان للمعارضة، وواحد لجنوب السودان. بعبارة أخرى، كانوا يبحثون عن حل لمشكلتهم الشخصية، وليس لمشكلة السودان.
إذا افترضنا أن ذلك كان ظرفًا طارئًا قبل الاستقلال، فلماذا تكرر الأمر بعد ثورة أكتوبر 1964؟ أعادوا تجربة مجلس السيادة الخماسي، مع تعديل طفيف بتثبيت الرئاسة، ليس لحل مشكلة السودان، بل لحل مشكلة الأزهري، الذي لم يكن مستعدًا لتقاسم الرئاسة، حتى لو أدى ذلك إلى استقالة عضو احتجاجًا. وبعد عقدين تقريبًا، في عام 1986، تكرر السيناريو مع “مجلس رأس الدولة” الخماسي. لماذا؟ لأن الشباب آنذاك لم يجدوا بديلاً سوى تكرار تجارب آبائهم دون مراجعة أو نقد.
ومرت سنوات طويلة حتى ثورة ديسمبر، التي أُطلق عليها “ثورة الشباب”. لكن هؤلاء الشباب، بعقول أجدادهم، أعادوا الفكرة ذاتها بصورة أسوأ: مجلس سيادة بـ14 رأسًا، قابل للزيادة! هؤلاء شباب “بيولوجيون”، يحملون أعمارًا شابة، لكنهم لم يتحرروا قيد أنملة من عقلية ديسمبر 1955.
هذا الوضع يكرس الفشل في المشهد السياسي، ويدفع الشعب نحو مزيد من اليأس والإحباط، بل والعزوف عن الأحزاب، وربما المطالبة بحلها وإيداعها في متحف التاريخ.
البداية الصحيحة هي استقطاب أكبر عدد من الشباب العقلي، الذين يفكرون بما يواكب العصر، ويستندون إلى العلم والتكنولوجيا. هؤلاء لا يكفي أن يكونوا موجودين صوريًا في هياكل الأحزاب، بل يجب أن يقودوها بعقولهم وحضورهم الفعلي، لا أن يظلوا مجرد قواعد.
نحتاج إلى شباب يديرون العمل السياسي الجماهيري بوسائل حديثة، يستخدمون الذكاء الصناعي في التحليل السياسي، ويوسعون قواعدهم الجماهيرية متجاوزين قيود الجغرافيا والمكان.
نحن في حاجة ماسة إلى الشباب من النوع الثاني. أما النوع الأول، فبإمكانهم الاستمتاع بحكايات التاريخ.
نقلا عن ـ التيار_ السودانية
اكتشاف المزيد من شبكة الخبر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.