من الدوحة إلى (مار ألاغو) : هدية فاخرة تُشعل معركة النفوذ السياسي في أميركا

ترجمة_رويترز – في لحظة بدا فيها أن طائرة واحدة قد تحمل أكثر من مجرد رئيس، تصاعد الجدل في واشنطن بعد الكشف عن نية إدارة دونالد ترامب قبول طائرة بوينغ فاخرة كهدية من دولة قطر.

ليست مجرد طائرة، بل 747-8، أحد أضخم وأغلى الطرازات في العالم، بقيمة تقترب من 400 مليون دولار. ومع كل صدى لمحركها، تتردد في أروقة السياسة الأميركية أسئلة مقلقة: هل تجاوزت هذه الهدية الخطوط الدستورية؟ وهل تسير على جناحها مصالح خفية بين الخليج والبيت الأبيض؟

الطائرة لم تقلع بعد، لكن عاصفة الشكوك اندلعت بالفعل.

فقد نقلت وكالة “رويترز” عن مصدر مطلع أن الطائرة الفاخرة ستُستخدم مؤقتًا كطائرة رئاسية بديلة، قبل أن تُنقل لاحقًا إلى “مكتبة ترامب الرئاسية” بعد نهاية ولايته. وبهذه الخطوة، تُصبح الهدية القطرية واحدة من أغلى ما تلقته الحكومة الأميركية في تاريخها من دولة أجنبية.

الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب لم ينكر الخبر، بل أكد صحته في منشور على منصته “تروث سوشيال”، مدافعًا عن قبول الطائرة بوصفه “توفيرًا ذكيًا للنفقات العامة” وسط تأخر تسلّم الطائرات الرئاسية الجديدة التي كان قد تعاقد عليها مع شركة بوينغ خلال ولايته الأولى. وأضاف: “من الغريب أن تزعج صفقة شفافة كتلك بعض الديمقراطيين الفاسدين… فقط لأننا لم ندفع أعلى سعر للطائرة!”.

لكن الرد السياسي لم يتأخر. زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، سارع إلى الهجوم عبر منصة “إكس”، قائلًا: “لا شيء يُجسّد شعار (أميركا أولاً) مثل طائرة رئاسية تقدمها قطر! هذه ليست هدية، إنها نفوذ أجنبي ملفوف بالفخامة”.

من جهتها، حاولت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولاين ليفيت، امتصاص الجدل، مؤكدة في بيان أن “أي هدية من حكومة أجنبية يتم قبولها بما يتوافق مع القوانين الفدرالية وبتنسيق تام مع الجهات المعنية”.

لكن هذا التبرير لم يُقنع منظمات الحوكمة والشفافية، وعلى رأسها “مواطنون من أجل المسؤولية والأخلاق” (CREW)، التي تساءلت عما إذا كانت الصفقة تنتهك “بند المكافآت” في الدستور الأميركي، الذي يمنع المسؤولين من قبول أي هدايا أو مكافآت من دول أجنبية دون موافقة الكونغرس. وقال المتحدث باسم المنظمة، جوردان ليبوفيتز، في بيان: “حين تمنحك دولة أجنبية طائرة قيمتها 400 مليون دولار قبل لقائك بقادتها، فإن ذلك يبدو أقرب إلى النفوذ المدفوع لا التعاون الدبلوماسي”.

وكان ترامب قد قام بجولة داخل الطائرة القطرية في فبراير الماضي، أثناء توقفها في مطار “بالم بيتش” بولاية فلوريدا، على بُعد دقائق من منتجع “مار ألاغو” الذي يملكه. وقتها، قيل إن الزيارة كانت “لاستلهام تصميم الطائرة الرئاسية الجديدة”، لكن تقارير لاحقة ربطت الزيارة بمحادثات غير رسمية مع مسؤولين قطريين.

وفيما يستعد ترامب لزيارة الدوحة ضمن جولة شرق أوسطية هذا الأسبوع، أكدت مصادر في وزارة الدفاع أن الطائرة لن تُسلّم خلال الرحلة، فيما ذكرت شبكة “ABC” أن مستشاري البيت الأبيض ووزارة العدل أعدّوا مراجعة قانونية تنص على أن قبول الطائرة من قبل “البنتاغون” ثم تحويلها لاحقًا إلى مكتبة رئاسية، لا يُشكل انتهاكًا مباشراً للدستور.

مع ذلك، تبقى الأسئلة الكبرى معلّقة: هل تسعى قطر لتعزيز نفوذها داخل الإدارة الأميركية المقبلة؟ وهل يشكّل قبول هدية بهذه الضخامة سابقة خطيرة قد تُفتح بها أبواب النفوذ السياسي أمام المال الأجنبي؟

في النهاية، وبينما لا تزال الطائرة رابضة على مدرجاتها، فإن القضية حلّقت عاليًا، لتصطدم بسماء واشنطن المحمومة بالصراع، والتشكيك، والطموحات الرئاسية.


اكتشاف المزيد من شبكة الخبر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *