الفاشر ـ شبكة ـ الخبر منذ أسابيع طويلة، تعيش مدينة الفاشر، حاضرة شمال دارفور، تحت وطأة حصار خانق وقصف عشوائي لا يميز بين بيت وسوق، ولا بين طفل وشيخ. في كل صباح، تستيقظ المدينة على دوي القذائف، وتُغطى سماؤها بطائرات مسيّرة، بعضها انتحاري، يحلّق في خطوط متقاطعة، حاملاً رسالة واحدة: المزيد من الرعب والموت والدمار.
تنقل تنسيقية لجان المقاومة بالفاشر، في بيانها الأخير، مشهداً متكرراً يُعيد نفسه كطقس يومي:
قصف عنيف في الصباح، يتبعه هدوء مشوب بالخوف، لا يلبث أن يتبدد بقصف جديد.
البيوت تنهار، المرافق الحيوية تُضرب، والأهالي يتنقلون بين الأحياء المنكوبة بحثاً عن لحظة أمان مؤقتة، في مدينة باتت تعيش بين قذيفتين.
خلف هذا المشهد القاتم، قصة صمود لا تُروى إلا نادراً. فبينما يتقاعس العالم عن التدخل، ويغيب الفعل الرسمي والمؤسسي عن مسرح الكارثة، يتقاسم سكان الفاشر ما تبقى لهم من الخبز والماء.
الجرحى يُسعفون بإمكانيات بدائية، والماء يُوزع في أقداح الشاي، والمنازل تتحول إلى مشافٍ ميدانية.
لقد أدى القصف المتكرر والهجمات المنظمة من قبل مليشيا الدعم السريع إلى شلل شبه كامل في الخدمات الأساسية. انقطعت الكهرباء والمياه عن أحياء بأكملها، وتعطلت الإمدادات الطبية والغذائية، بينما أُغلقت الطرق المؤدية إلى المدينة، مما جعل وصول الإغاثة ضرباً من الخيال.
ويفاقم هذا الوضع المعقد وصول آلاف النازحين إلى داخل المدينة، لا سيما بعد الهجوم الأخير على معسكر زمزم للنازحين، الذي أجبر سكانه على النزوح مجدداً إلى الفاشر، فازدادت الكثافة السكانية وارتفعت الحاجة إلى الغذاء والمأوى والخدمات.
“الفاشر اليوم كما الأمس، تنزف… لكنها لم تنكسر”، هكذا تختصر لجان المقاومة حكاية المدينة، التي ترفض أن تستسلم رغم الخذلان. صوتها لا يزال يتردد من بين الأنقاض، يطالب بالنجدة، وبالضمير الإنساني أن ينهض، قبل أن تبتلع الحرب ما تبقى من الحياة.
في مواجهة هذا الجحيم اليومي، لم يعد الصمت خياراً، ولا الانتظار ترفاً. الفاشر لا تطلب المستحيل، بل الحد الأدنى من التضامن الإنساني: ممرات آمنة، إغاثة عاجلة، ووقف فوري للقصف.
إن استمرار التجاهل يعني القبول الضمني بموت مدينة كاملة، وبتمزيق ما تبقّى من نسيج دارفور.
نداء الفاشر اليوم لا يُوجّه فقط إلى أصحاب القرار، بل إلى كل ضمير حي: تحرّكوا قبل أن تُمحى الحياة من على الخريطة.
اكتشاف المزيد من شبكة الخبر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.