«سوق أم درمان محاولة للنهوض» : وابْسمُ بَعدمَا قَد طال عَبسي!

جولة ميدانية : علاء الدين عبد الله

أم درمان _ شبكة _ الخبر في قلب أم درمان، المدينة التي طالما تغنت بعراقتها، لا يزال سوقها التاريخي يحاول لملمة أشلائه تحت وطأة حرب لم تبقِ ولم تذر.

قبل عامين فقط، كان السوق يعج بالحياة، يُغني بائعو العطور أمام محلات الذهب، وتتمايل أقمشة “الملكال” و”التوتل” في واجهات المتاجر، وكانت الروائح، والضجيج، واللهجات القادمة من أقاصي السودان، تعطي المكان نكهته المميزة لكن المشهد اليوم مختلف.

تجولتُ لساعاتٍ في السوق، فوجدت الصمت يعلو على أصوات البيع، والركام ينافس السلع في المساحات التجارية

أثر الحرب: (النزوح ورأس المال)

لم تكن الحرب التي اندلعت في السودان في أبريل 2023 مجرد معركة على الأرض، بل هزة عنيفة للمدن والمجتمعات، وأم درمان لم تكن استثناء. نزح أغلب سكانها إلى مدن السودان الأخرى، أو فرّوا إلى الخارج. غادر رأس المال، وغابت الثقة.

حتى اليوم، لم تعد السوق إلى طبيعتها، لأن من كانوا يحركونها – تجارًا ومستهلكين – لم يعودوا بعد، أو لم يعودوا كما كانوا.

في محلية كرري، التي أصبحت مركز الثقل السكاني الجديد، نشأ سوق “صابرين” ليلبي احتياجات السكان مؤقتًا، لكنه تحول إلى بديل فعلي لسوق أم درمان. مساحته صغيرة، لكن تأثيره كبير، إذ أصبح ملاذًا للتجار والمستهلكين معًا.

الدمار المٌمنهج… ونيران ليست عشوائي

في السوق الرئيسي، تتحدث الدكاكين الطينية التي سقطت بفعل الاشتباكات والأمطار، عن هشاشة البنية التي لم تكن مستعدة للاحتراب. أما المحلات المسقوفة بالإسمنت، فتعرضت لحريق ممنهج – لا يبدو أنه كان محض صدفة.

بعض العمارات تهدمت بفعل القصف، ومع ذلك بدأ أصحاب المتاجر في عمليات ترميم، بل إن البعض هدم ما تبقى من محله ليبدأ البناء من جديد. هنا، لا ينتظر الناس معجزات الدولة، بل يخلقون معجزاتهم بصبرهم ومطرقتهم وإرادتهم.

عودة الحياة… ببطء وثقة

رغم الألم، هناك إشارات واضحة على استعادة العافية. منذ عيد الفطر، زاد عدد المحلات، وتُقدَّر الزيادة الأكبر بعد عيد الأضحى.

السلع بدأت تعود، ومعها بعض الملامح القديمة. لم يعد السوق كما كان، لكنه لم يمت. الكهرباء بدأت تعود إلى المحطة الوسطى، والمياه وإن لم تكن منتظمة، إلا أنها موجودة. المواصلات متوفرة من موقفي الشهداء والمحطة الوسطى.

السوق أصبح الآن وجهة لتجار الدكاكين بالأحياء، وخفف الضغط على سوق “صابرين”، مما يدل على بدء إعادة توزيع الأنشطة الاقتصادية.

ما بعد السوق .. أم درمان أنفاس جديدة

ليس السوق وحده من تغيّر، فأم درمان كلها باتت مدينة موزعة بين أطرافها. سكانها الأصليون صاروا في كرري، في أمبدة، في الجزيرة، في بحري، وفي المنافي. المدينة نفسها فقدت توازنها. الخرائط الاجتماعية تغيرت، والعلاقات الاقتصادية أعيد تشكيلها أم درمان التي كانت تعرفها أمهاتنا، ليست هي أم درمان اليوم.

رماد الحرب… وبذور الإصرار

سوق أم درمان ليس مجرد مكان للتجارة، بل مرآة لروح المدينة. وكلما ارتفعت سارية جديدة، أو فُتح محل جديد، أو عاد بائع إلى ركنه القديم، فهذا يعني أن المدينة لم تنكسر.

الحرب تركت أم درمان جريحة، لكن أهلها يثبتون أن في الرماد بذور حياة… فقط تحتاج لمن يرويها.


اكتشاف المزيد من شبكة الخبر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *