“في العام الماضي، كنا نبحث عن أي سقف يحمينا من الغربة والحرب… اليوم نبحث عن ما يناسبنا أكثر. الغلاء ما عاد اضطراراً، بل خياراً” – أميرة محمد حسين، لاجئة سودانية في القاهرة ..”
القاهرة – شبكة_الخبر ـ في شقة صغيرة على أطراف شارع فيصل، كانت أميرة محمد حسين تُرتب أغراضها استعداداً للانتقال. لم يكن المشهد عادياً؛ هو انعكاس لتغيّر أوسع يحدث في أحياء القاهرة بفعل تدفّق اللاجئين السودانيين، وبدء عودتهم. فحربٌ أشعلت الأسعار، وعودةٌ بدأت تُبرد السوق… بين النزوح والتصحيح، قصة إنسانية تقرأها المدن في تفاصيل الإيجارات.
نزوح قسري ثم عودة تدريجية
منذ اندلاع الحرب في السودان في أبريل 2023، اجتاحت موجة لجوء واسعة الأراضي المصرية، تجاوز فيها عدد السودانيين المليون، ما خلق ضغطاً مباشراً على سوق الإيجارات في المدن الكبرى، لا سيما القاهرة والجيزة.
شقة بـ1500 أصبحت بـ5000… طفرة مفاجئة في الأسعار
في قلب منطقة فيصل، يقول السمسار أحمد عبد الحميد إن الأسعار تضاعفت خلال أشهر: “الشقة التي كانت تؤجر بـ1500 أصبحت بـ5000، والمفروشة ارتفعت من 4 إلى 12 ألف جنيه”. استغل بعض الملاك هذه الموجة لتحقيق أرباح قياسية، لكن السوق بدأت تُظهر مؤشرات تصحيح.
مع بداية العودة… السودانيون يُحرّكون السوق من جديد
مع تحسّن الأوضاع نسبياً في السودان، وعودة أكثر من 200 ألف شخص منذ بداية 2025، بدأ الطلب على الشقق يقل، لتبدأ الأسعار في التراجع بشكل محدود. أميرة محمد حسين، التي تقيم في كعابيش منذ عام، تقول إنها استطاعت الانتقال إلى شقة أفضل بالقيمة نفسها: “الوضع لم يعد ضاغطاً كما كان العام الماضي”.
الملاك متمسكون بمكاسبهم… والسوق لا ترحم
رغم المؤشرات على انخفاض الأسعار، لا يزال كثير من الملاك يرفضون التنازل عن مكاسبهم. “بعض الشقق تبقى فارغة شهوراً… لكن أصحابها يفضلون الانتظار على تقليل الإيجار”، وفقاً للسمسار وليد صلاح من حدائق الأهرام.
الطلب يتراجع والمعروض يزداد… هل اقتربنا من التوازن؟
في مناطق مثل مدينة نصر والدقي والمهندسين، ظهر تراجع في أسعار المفروشات بنسبة 20 إلى 30% مقارنة بذروة الارتفاعات. ويقول السمسار أحمد عاطف: “لدينا وحدات كانت تؤجر بـ40 ألف جنيه، واليوم لا تتجاوز 25 ألفاً”.
تصحيح السوق بدأ… لكن الصيف قد يُغيّر الاتجاه
رغم نغمة التفاؤل، يحذّر بعض العاملين في السوق من موجة طلب موسمية جديدة في الصيف، مع قدوم مصريين من الأقاليم وسياح عرب. “التراجع الحالي هشّ… وأي زيادة في الطلب قد تعيده إلى الارتفاع”، يقول عبد الحميد.
عودة ما بعد الدراسة… هل تكون الموجة الكبرى؟
يتوقع القنصل السوداني في أسوان، عبد القادر عبد الله، أن تكون نهاية العام الدراسي نقطة تحول، مع عودة أعداد إضافية من السودانيين. “الأثر واضح بالفعل على السوق، والهدوء في الأسعار قد يزداد”، يؤكد القنصل.
بين الإنسانية والمصالح… السوق تكتب فصلاً جديداً
تجربة السودانيين في مصر ألقت بظلالها على المجتمع، والسوق، والتوازنات الاجتماعية. وبين ضغوط الحرب، وطموحات العودة، وتحديات الحياة في المنفى، لا تزال سوق الإيجارات تقف عند مفترق طرق، تبحث عن توازن جديد تُراعي فيه ظروف الجميع.
اكتشاف المزيد من شبكة الخبر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.