تجاوزت الحرب مدى توقع كل المتابعين والمهتمين بالشأن السياسي السوداني بل تجاوزت سقف توقع طرفي الحرب انفسهم وبتواتر مضطرد وايقاع سريع لم يعطي حتى مهلة لفكرة الاستيعاب نفسها لأنه من طبيعة الأشياء هو التدرج.
وبالذات في الاعمال الكبيرة والاستراتيجية سواء كان في السلم او الحرب مع وضع الاعتبار لنسبية التدرج هذا حسب معطيات الواقع السياسي المعني..
ما يحدث في السودان الآن شيء يفوق الوصف والتصور إذ انتقلت الحرب بين عشية وضحاها الي عمق العاصمة الإدارية بورتسودان عبر الأجواء من خلال المسيرات والصواريخ الموجهة في تطور مثير ومتسارع حيث تم استهداف المنشآت الحيوية الهامة المطار وقاعدة عثمان دقنة الجوية ومستودعات الوقود والميناء وكانت الخسائر فادحة وجسيمة ..
تلازم هذا التحول في الهجوم المكثف على بورتسودان مع الضربة الموجعة والمؤلمة التي وجهها الجيش حيث استهدف مطار نيالا التي تسيطر عليه قوات الدعم السريع ودمر طائرة شحن ومخازن للأسلحة داخل المطار. وحسب مراقبين فقد كانت الخسائر كبيرة ومن ضمنها خسائر بشرية ويقال ان من بينهم خبراء أجانب وعليه يمكن القول ان الحرب اتخذت منحى شديد التعقيد وتصعيد خطير وغير متوقع علي مستوى الكم والكيف في استهداف مواقع استراتيجية حساسة .
وانتقلت الحرب من مربع الأرض وبكل تقليديته وحساباته البطيئة في صنع الفارق الى مربع الأجواء المفتوحة والتي تصنع فارقاً كبيراً وفي زمن قياسي مع الكلفة الباهظة على مستوى الخسائر والدمار.
وهنا يجب ملاحظة ان مثل هذا النوع من الحروب يحتاج الى إمكانية لوجستية وفنية ومادية متقدمة مما يستدعي كل الأسئلة للحضور ومنها هل يمكن لمليشيا مهما لاقت من أنواع الدعم المتقدم خارجياً ان يصل مستوى تهديدها الى هذا المدي وبهذا الحجم من الدمار؟؟!! .
وهنا تسهل الإجابة بالنفي ولكن يظل التعقيد خلف الإجابة وفي الطرف الآخر الذي يبدو انه اختار خيار المواجهة المباشرة من غير وساطة المليشيا ولكن خلف ستار التمويه خاصة وان هناك خبراء يتحدثوا عن انطلاق المسيرات والصواريخ الموجهة من البحر الأحمر وهذا تطور خطير جدا وله ما بعده ان صحت هذه الأخبار لأن امن البحر الأحمر شأن سوداني نعم فيما يتعلق بمستوى التهديد الأمني علي البلاد ولكنه في نفس الوقت شأن إقليمي يهم كل دول الجوار المطلة على ساحله ومن هنا يصبح الأمر شائكاً وأكثر تعقيداً وخطورة ….
والسؤال المنطقي هو هل قيادة الجيش لم تتحسب لهذا الامر؟ هل بورتسودان تعيش تحت القبة الحديدية المضادة للصواريخ ام انها أجواء مكشوفة وعلي الأرض كل المنشأت تحت رحمة المسيرات والصواريخ الموجهة من غير تأمين وأجهزة متطورة قادرة على التعامل مع مثل هذه الظرف؟
وفي تطور استثنائي وغير مسبوق في تاريخ العلاقات السودانية الإماراتية اعلن مجلس الأمن والدفاع السوداني عن قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين والاحتفاظ بحق الرد على خلفية احداث ببورتسودان حيث كانت هي القشة التي قصمت ظهر البعير..
وقد كانت العلاقات بين البلدين تعيش حالة من التوتر والشكوك والاتهامات الموجهة ضد الإمارات من قبل المسؤولين تلميحاً وتصريحاً وتم اتخاذ خطوة عملية في هذا الشأن بالدعوى التي رفعها السودان في محكمة العدل الدولية (لاهاي) ضد الإمارات وقد تم رفض الدعوى لعدم الاختصاص وتم شطب الدعوى.. ولكن ظل الاحتقان الشعبي ضد دولة الإمارات يمثل اقوى تيار وبغالبية كبيرة باعتبارها الداعم الأساسي لمليشيا الدعم السريع
ومما سبق يتضح ان الاستهداف اصبح يهدد كل البلاد وليس هناك منطقة بمعزل ومنأى عن التهديد ودونك ما حصل في عمق العاصمة الإدارية بورتسودان وما حدث من قبل لعطبرة ومروي وبربر وتعطيل المد الكهربائي من معظم البلاد!!!! انها الحرب لن يجني منها الشعب غير الويلات والدمار والخراب وكلما تعالت نغمة البشريات بالنهاية شبت نارها في موقع أخر وبشكل اشد ضراوة وفتكاً
ومضة :
هي روح مُتعبة بفوضى الجسد مُنهكة بفكر العقل ووعي السؤال
اكتشاف المزيد من شبكة الخبر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.