حديث المدينة الثلاثاء 6 مايو 2025
المشكلة ليست في خسران قضية من الخطوة الأولى أمام محكمة العدل الدولية.. لكن في استمرار نهج المعالجات السطحية لأزمات الدولة المزمنة.
كبار الخبراء القانونيين السودانيين ومن أول يوم أبدوا اعتراضهم على هذه الخطوة لأنها بلا جدوى قانونية.. وبعضهم تكبد مشاق الذهاب إلى وزير العدل و تطوع بتقديم استشارة قانونية لم تجد أذنا صاغية.. ثم استمعنا للمحادثة الهاتفية المسربة بين مسؤول سوداني رفيع ومستشار قانوني عربي.. يعتذر فييها الأخير عن المثول أمام المحكمة ممثلا للسودان.. و كان محزنا توسلات المسؤول إليه وهو يصر على الرفض.. انتابني احساس أليم للمستوى الذي أوصل الدولة السودانية لمثل هذا المستوى المنحدر..
عندما تغيب المؤسسية في اتخاذ القرار … ويتحكم الأشخاص على المؤسسات تصاب الدولة بمتلازمة العوز المناعي الذي يجعلها قابلة للوقوع في الأخطاء بمنتهى السهولة.. كما حدث في قضية محكمة العدل الدولية.
على كل حال.. هو درس في حزمة دروس مستمرة لم يثبت أنها أفادت في تعديل مسار ومنهج الحكم والادارة في السودان.
وطالما ظلت الدولة بمثل هذا الحال.. فسيصعب توقع نتائج أفضل.. لابد من بروتسترويكا شاملة تستوعب مطلوبات العبور إلى مستقبل آمن.
أفضل بداية أن تكون من الرئيس البرهان نفسه.. باعتباره الممسك بكل مفاتيح الدولة.. و إذا اقتنع بضرورة تغيير منهج الحكم والادارة فسيمنح وطنه فرصة لا تقدر بثمن لاستدراك ما فات والقفز إلى مربع جديد.. منصة انطلاق في آفاق جديدة.
أول من يستفيد من هذا التغيير هو الرئيس البرهان نفسه.. فكل تقدم يحرزه السودان في تخطي العقبات واستشراف مستقبل مشرق سيضاف إلى سجله.. و يخلده التاريخ وترصده الوثائق التي حتما ستتطالعها أجيال لاحقة..
فرصة أمام الرئيس البرهان بمثل ما خاض حرب 15 أبريل 2023 بمنتهى الشجاعة والجسارة.. أن يواجه معركة التغيير و النهضة بالشجاعة والجسارة ذاتها.. هو الرابح أولا.. كونه يصبح قائدا لنهضة السودان.. و لن ينسى له ذلك الشعب السوداني..
خارطة الطريق واضحة.. و قابلة للتطبيق بهدوء..
تبدأ.. باعتماد خطاب سياسي جديد.. قوامه الدعوة لوحدة الغايات لكل المكونات السودانية.. مقبول بل مطلوب أن تختلف وجهات النظر والوسائل.. ولكن الأهداف القومية العليا يجب أن لا تكون محل شك أو جدال.
ثم .. حزمة مطلوبات جريئة.. تتخطى الراهن بكل أحزانه.. وتعتمد مبدأ “رأس الخيط”.. العثور على نقطة البداية الصحيحة التي تصلح منصة لما يليها من خطوات.. وهي تكوين البرلمان بتشكيل يتجاوز المطروح في أسواق السياسة السودانية.. يستهدف مباشرة تحقيق أفضل تمثيل للشعب السودان من خلال كُلِيات قِطاعية.. مثل: القانونيون – الدبلوماسيون – أساتذة الجامعات – المهنيون – المعلمون – المزارعون والرعاة – المغتربون .. وهكذا.. و من المناسب أن تكون البداية بـ100 نائب برلماني هم خيار من خيار.. النائب يمثل مؤسسة كاملة بما يتوفر له من قدرات و مستشارين وسكرتارية يعملون معه..
ثم تتواصل الحلقات بإجازة دستور 2005 – المعدل لتبني الدولة السودانية على تجاربها بدلا من تكرار البدايات من الصفر..
و يعتمد البرلمان الجمهورية الرئاسية .. وتمضي مسيرة الإصلاحات في مختلف المسارات..
هذه مجرد رؤوس أقلام لفتح الشهية إلى مثل هذا التفكير الإيجابي الذي يتجاوز الإحباط إلى الأمل..
لابد من “رأس الخيط”.. لبداية جديدة.
اكتشاف المزيد من شبكة الخبر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.