عثمان ميرغني يكتب : السؤال الصعب..

حديث المدينة الأحد 4 مايو 2025
في لحظة خاطفة دخل اسم مدينة “النهود” إلى قوائم الأخبار العاجلة.. بداية بسماع صوت أعيرة نارية.. نقلتها الوسائط من بعض سكانها.. ثم حديث عن هجوم فاشل.. لتنام ليلة من الترقب..

ثم يستيقظ السودان على نبأ الهجوم الكبير على المدينة.
الكر والفر أربك المتابعين إلى أن ظهرت فيديوهات لقوات التمرد أمام مقر المحلية.. ثم داخل مقر اللواء 18 التابع للجيش السوداني.
حلقة في مسلسل مكرر.. سبق أن شاهدناه في سيناريو الهجوم على “جبل مويا” بولاية سنار.. عندما فجأة ظهرت مدينة “سنجة” على شاشات الأخبار مصحوبة بالفواجع والانتهاكات والدم المسفوح ظلما و عدوانا.
وفي تمبول.. والهلالية.. وغيرها..

وكلها انتهت بعودة الجيش والأهالي إلى بيوتهم ..
النهود -أيضا- ستعود وقريبا جدا.. و تبقى فقط الحسرة على الأرواح البريئة التي بلا ذنب جنته دفعت الثمن..
ولكن يطفر السؤال..ثم ماذا؟
ولا أقصد سؤالا عسكريا عن مآلات وتفاصيل ما يدور في الميدان.. فهذا عمل تتولاه قواتنا الباسلة بكل قوة وعزيمة.. وستحقق النصر حتى النهاية وتستعيد كل شبر من السودان.. وتعيد إليه أهله.. لكن السؤال.. ثم ماذا؟ أقصد به الوجه الآخر للمأساة.. وسأخذ مثالا له مدينة “النهود”.
النهود مدينة عريقة قديمة.. شهدت الحضارة والمدنية في وقت مبكر.. تجمع بين التجارة والزراعة والرعي.. و تقع على الطريق القومي الرابط بين الأبيض والفاشر..
بكل المقاييس.. النهود -مثل سائر مدن السودان العريقة- يفترض أنها تتمتع بأوضاع عمرانية وحضرية أفضل كثيرا مما هي عليه.. بل ويفترض أنها مقصد السياحة والترويح للسودانيين و الأجانب لما تتمتع به من طبيعة خلابة ..
لكن واقع الحال غير..
المدينة التي بدت في الصور المتداولة لأخبار الاعتداء الآثم عليها.. تكشف وجها حضريا أقل كثيرا من قامة النهود..
و للتذكير .. هي فقط مجرد مثال ضربته هنا لواقع مدن أخرى كثيرة.. لا تنقصها الموارد ولا الأهمية الاقتصادية ولا الجغرافية.. لكنها تعاني من قصور حضري كبير.. قبل الحرب.. التي لم تزده إلا ضمورا.. فيبقى السؤال.. ثم ماذا.
ثم ماذا بعد الحرب؟
ما الذي يجب أن يتحقق للنهود وأخواتها تعويضا مستحقا عن فاتورة مهولة من الضرر الذي وقع عليها و أهلها الكرام..
هذا ليس سؤالا فلسفيا.. ولا متعجلا يتجاوز الواقع الكارثي الراهن.. بل من صميم ما يجب أن تفعله الدولة الآن.. ليس فقط كفارة عن ذنبها التاريخي الذي أبقى مثل هذه المدن الناهدة في سفح الجبل.. بل هو جزء لا يتجزأ من الخطاب العام الذي يطفيء نيران الحرب في كل بقاع السودان.
الدولة الراشدة تداوي الألم.. بالأمل.. تصنع خطاب التنمية والنهضة والمستقبل المشرق لأنه يناهض خطاب المظلومية والكراهية التي يستخدمه التمرد وينفخ في كيره بشدة..
يد تمسك البندقية لتدافع عن الوطن وتحمي الأرض والعرض.. ويد أخرى تمسك بالورق والقلم وتخطط للمستقبل الذي يتحول إلى حاضر بسرعة ثم ماضي ان لم يجد التخطيط الحصيف الرشيد..
الجيش يعرف كيف يستعيد النهود وأخواتها.. ولكن من يستعيد للنهود وأخواتها ما فاتهم من قطار التنمية والنهضة؟
هذه مهمة حكومة راشدة..

نقلا عن- صحيفةالتيار


اكتشاف المزيد من شبكة الخبر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *